تركيا - غازي عنتاب

“وكالة زيتون” تستعرض مسار اللجنة الدستورية السورية.. التشكيل والمخرجات ومستقبلها المحتمل

اللجنة الدستورية

وكالة زيتون – تقرير
في كانون الثاني/ يناير من عام 2018 طرح ملف “اللجنة الدستورية السورية” للمرة الأولى وذلك خلال الاجتماع الذي عقدته روسيا في منتجع “سوتشي” لبحث القضية السورية، وبعد سلسلة من المفاوضات والمحادثات التي بدأها المبعوث الأممي السابق إلى سوريا “ستيفان دي مستورا” وأنهاها المبعوث الحالي “غير بيدرسون”.

وبدأت قصة اللجنة الدستورية بعد إخفاق المبعوث الأممي السابق “ستيفان دي ميستورا” من إحداث أي خرق في مناقشة السلات الأربع التي ينص عليها القرار الأممي رقم 2254، والتي تتضمن (حكم انتقالي، الدستور، الانتخابات، الإرهاب).

ومع انعقاد مؤتمر “الحوار السوري” في “سوتشي” عام 2018، اتفقت الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران) على تشكيل اللجنة الدستورية التي لاقت قبولاً من المجموعة الدولية المصغرة حول سوريا والتي تضم (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، السعودية، مصر والأردن) وتم الاتفاق على وضعها تحت إشراف أممي.

ومنذ اليوم الأول لطرح اللجنة، لم يتوانى نظام الأسد عن عرقلة تشكيلها ووضع العصي في عجلة دورانها، بداية من التأخير في رفع لائحة الوفد الممثل عنه، وصولاً إلى التدخل في وضع أسماء أعضاء الوفد المدني والاعتراض على أسماء وفد المعارضة فضلاً عن المماطلة في عقد الاجتماع.

وخلافاً لما ينص عليه القرار 2254 من كتابة دستور جديد في سوريا، يتمسك نظام الأسد بمراجعة الدستور الذي أعلن عنه في عام 2012، وبشكل يتناقض مع تطالب به المعارضة وتؤكد أن اللجنة وجدت من أجله.

وفي الثالث والعشرين من شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2019 أعلن الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” عن تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وذكر في تصريح صحفي حينها: “أعتقد بشدة أن تشكيل لجنة دستورية يتولى السوريون أنفسهم تنظيمها وقيادتها يمكن أن يشكل بداية طريق سياسي نحو حل، وبيدرسون سيجمع اللجنة في الأسابيع المقبلة”.

وتضم اللجنة 150 عضواً، خمسون منهم اختارهم نظام الأسد، ومثلهم هيئة التفاوض السورية، ومثلهم اختارهم المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون كممثلين عن المجتمع المدني بهدف آخذ آرائهم ومشاورتهم، ويترأسها كل من “أحمد الكزبري” عن النظام و”هادي البحرة” عن المعارضة.

5 جولات

انطلقت في الثلاثين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2019 أعمال الاجتماع الأول من محادثات اللجنة الدستورية السورية في مكتب الأمم المتحدة في جنيف برعاية أممية، وقد دعا “بيدرسون” في الكلمة الافتتاحية جميع الأعضاء إلى “التحلي بالصبر والقيام بعمل بناء”، داعياً إلى “التركيز على مبادئ الأمم المتحدة تحضيراً لانتخابات تجري على أساس دستور جديد طبقاً للقرار 2254”.

وخلال اجتماعات الهيئة الموسعة توافق أعضاء اللجنة الدستورية السورية على تشكيل لجنة مصغرة وتحديد مدونة سلوك الأعضاء والممارسات الإجرائية تتألف من 17 مادة.

الجولة الأولى: انعقد في الرابع من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2019 أول اجتماع للهيئة المصغرة والتي تضم 45 عضواً مقسمين بالتساوي على المعارضة والنظام والمجتمع المدني، وذلك بهدف دراسة كل الدساتير السورية، ومحاولة صياغة دستور حديث يحقق تطلعات السوريين، وفقاً لما ذكر “البحرة” في تصريح صحفي.

وانتهت الجولة الأولى التي استمرت عشرة أيام دون نتائج، إلا أن “بيدرسون” اعتبرها أفضل من المتوقع، رغم الأجواء الفاترة بين أعضاء وفدي المعارضة السورية ونظام الأسد حيث رفضوا مصافحة بعضهم، وسط دعوات من وفد النظام لنقل المحادثات إلى دمشق بدلاً من عقدها في جنيف الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل المعارضة.

وأكد “هادي البحرة” الرئيس المشارك للجنة من جانب المعارضة أن المحادثات لم تكن سهلة، مشيراً إلى أنه لم يصافح رئيس وفد النظام، وقال إنه يتعين على الجميع التصرف بعقلانية وتجاوز الخلافات والتركيز على النقاط التي توحد السوريين.

الجولة الثانية: أعلن بيدرسون أن الجولة الثانية من اجتماعات الهيئة المصغرة ستنعقد في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2019، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب عدم التوصل لاتفاق بخصوص جدول الأعمال، وإصرار وفد المعارضة على أنه لا يمكن عقد أي اجتماع دون وجود جدول أعمال يحدد مواضيع واختصاصات اللجنة.

نظام الأسد رفض جدول الأعمال الذي قدمه وفد المعارضة والذي يتضمن العمل الدستوري، وقدم جدولاً يتضمن “مكافحة الإرهاب ورفع العقوبات المفروضة على النظام وإدانة ما وصفه بالغزو التركي”، الأمر الذي اعتبرته “بسمة قضماني” عضو وفد المعارضة بأنه محاولة لشراء الوقت.

الجولة الثالثة: بدأت أعمال هذه الجولة في الرابع والعشرين من شهر آب/ أغسطس من عام 2020، واستمرت لمدة أربع أيام وتم خلالها مناقشة جدول أعمال يتناول بناء على ولاية اللجنة والمعايير المرجعية والعناصر الأساسية للائحة الداخلية للجنة الدستورية ومناقشة الأسس والمبادئ الوطنية.

وذكر “بيدرسون” في تصريح صحفي عقب انتهاء هذه الجولة أن الأطراف المشاركة لم تصل إلى مرحة كتابة الدستور، و”نعمل على بناء الثقة بين الأطراف بسبب وجود اختلافات عميقة في وجهات النظر”، مشدداً على أهمية دعم كل من مجلس الأمن والدول الضامنة في محادثات أستانة (تركيا وروسيا وإيران) وفاعلين دوليين لمحادثات جنيف.

الجولة الرابعة: انطلقت أعمال هذه الجولة في الثلاثين من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2020 واستمرت حتى الرابع من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وجرى خلالها استكمال مناقشة جدول أعمال الجولة الثالثة.

وأعرب “بيدرسون” عن رغبته بأن يرى تقدماً فيما يخص مسألة لجنة مناقشة الدستور “وأن يحرز هذا التقدم السوريون أنفسهم، وأن يدفع اجتماع جنيف بالعملية السياسية قدماً”، وذلك بعد توقف في المحادثات استمرت قرابة الأربعة أشهر بسبب عدم التوافق على جدول أعمال.

الجولة الخامسة: انطلقت أعمال هذه الجسلة في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي واستمرت حتى التاسع والعشرين من الشهر ذاته، إلا أنها لم تسفر -كما كان مقرراً لها- عن إحداث خرق حقيقي في الاتفاق على مضامين دستورية، والتسليم بإدراجها في الدستور الجديد للبلاد.

وعلى الرغم من محاولة بيدرسون في دفع المفاوضات قدماً، وقيامه بجولات مكوكية بين موسكو وطهران وأنقرة والقاهرة قبل بدء هذه الجولة، إلا أن مساعيه لم تأتي بأي نتيجة، هو ما أعلن عنه في مؤتمر صحفي أعقب الاجتماعات التي وصفها بأنها كانت مخيبة للأمال.

جولة حاسمة

أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون أن نظام الأسد عطل مجريات الجولة الخامسة بسبب رفضه لمقترحات جدول الأعمال التي قدمها وفد والمعارضة وتلك التي بادر بيدرسون بتقديمها، وذلك في اعتراف أممي نادر حول الطرف المعطل للجنة.

وعقد مجلس الأمن الدولي في الحادي عشر من الشهر الجاري جلسة مغلقة، استعرض خلالها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا معوقات اللجنة الدستورية، وسط حالة من الإحباط نتيجة عدم تحقيق تقدم في أعمال اللجنة.

ووصف بيدرسون الجولة الأخيرة من اجتماعات اللجنة الدستورية بالـ”فرصة ضائعة” و”خيبة أمل”، وأكد أن اللجنة لا يمكنها المضي قدماً ما لم تكن هناك دبلوماسية دولية بناءة في “الأزمة السورية”.

وقال “بيدرسون” للصحفيين: “ناقشت مع المجلس ما يمكننا القيام به لنكون قادرين على خلق حالة يمكننا من خلالها تغيير الطريقة الحالية التي تعمل بها اللجنة الدستورية، وأبلغتهم أيضاً بأن هناك حاجة إلى دبلوماسية دولية بناءة بشأن سوريا”.

سخط دولي

أصدرت كل من إستونيا وفرنسا وألمانيا وإيرلندا وبلجكيا بياناً مشتركاً في العاشر من الشهر الجاري حملت خلاله نظام الأسد المسؤولية عن فشل محادثات اللجنة الدستورية بعد عام ونصف من انطلاقتها.

وأكد البيان أن النظام يواصل عرقلة العملية السياسية ويرفض الانخراط بشكل بناء في مقترحات المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون ووفد المعارضة السورية.

وأضاف: “رغم الجولات الخمس للمفاوضات التي جرت خلال العام ونصف العام الماضي، فإننا ناسف لعدم إحراز تقدم جوهري في هذه الاجتماعات نحو صياغة إصلاح دستوري ، تماشياً مع قرار مجلس الأمن 2254”.

وشددت الدول في بيانها على دعم جهود المبعوث الخاص لتنفيذ جميع عناصر القرار 2254 بما في ذلك الإفراج عن المعتقلين وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وبمشاركة كل السوريين وتحقيق انتقال سياسي شامل وحقيقي.

واشنطن توجه رسالة لنظام الأسد

دعت الولايات المتحدة الأمريكية رأس النظام السوري “بشار الأسد” للالتزام بوقف إطلاق النار في سوريا، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، مشددة على أنها ستظل ملتزمة بـ”الحل السياسي الميسر في سوريا على النحو المبيّن في القرار 2254″.

وأكدت في بيان أصدرته البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة على ضرورة مضي العملية المهمة للجنة الدستورية قدماً، مشيرة إلى استعداد وفدي المعارضة السورية والمجتمع المدني لـ”الانخراط بحسن نية في صياغة دستور يمثل كل سوريا”، متوعدة بمواصلة الضغط مع “الشركاء والحلفاء”، من أجل الإصلاح والمساءلة في سوريا.

دعوات لمقاطعة اللجنة

دعا المعارض البارز جورج صبرا الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، وعضو الأمانة العامة لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وفد المعارضة المشارك في اللجنة الدستورية إلى الانسحاب منها على الفور، معتبراً أن هذه اللجنة “بدعة روسية وبعض من المساعي الروسية للتطاول على العملية السياسية وإخراجها عن مسارها وتشويهها”..

وأكد صبرا في تصريح لـ”وكالة زيتون”، أن جوهر قضية الشعب السوري وثورته ليست شأناً دستورياً، فالنظام وضع دستوراً جديداً عام 2012 أفضل من الدستور السابق الموضوع عام 1973، لكن لم يغير أي شيء في طريقته بالحكم والإدارة والموقف العدائي من الشعب وإرادته في التغيير، وعلى العكس مضى عميقاً في أعمال القتل والتدمير والتهجير، واستخدم الأسلحة المحرمة دولياً كالبراميل المتفجرة والنابالم والأسلحة الكيماوية.

واعتبر أن العمل في هذه اللجنة كمن يضع العربة أمام الحصان، لأن وضع الدستور وفق العملية السياسية التي رسمتها القرارات الأممية من مندرجات المرحلة الانتقالية التي تبدأ بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ويوضع داخل البلاد من قبل جمعية تأسيسية منتخبة، ويصادق عليه الشعب السوري باستفتاء عام.

وأضاف “صبرا”: “على السوريين الاستمرار بالرفض، ودعوة الذين تورطوا في هذا المسار بالخروج منه وفضحه، خاصة وأن بعضهم قد فعل ذلك، وأعلن استقالته من عمل اللجنة ومن عضوية هيئة التفاوض، فانعدام الجدوى لم يعد احتمالاً، فهو حقيقة عبر عنها مضي حوالي العامين من الاجتماعات الفارغة وإشاعة الآمال الكاذبة وتبادل الاتهامات والمسؤوليات عن الفشل”.

البحرة يوضح أسباب المشاركة في اللجنة

أوضح رئيس وفد المعارضة في اللجنة الدستورية هادي البحرة أسباب مشاركة هيئة التفاوض بمحادثات اللجنة الدستورية رغم الانتقادات التي تعرضت لها، وقال في تصريح سابق: “جئنا لنبحث عن أوجه التشابه بيننا بعيداً من الاختلافات”.

ورأى أن ما يجري هو بمثابة “الخطوة الأولى في العملية السياسية طبقاً للقرار 2254″، داعياً إلى “تغيير الوضع الراهن والطريقة التي نفكر بها والتوقف عن العمل على أساس داوفعنا العاطفية”، مضيفاً: “يجب أن نبدأ بالاستماع بعضنا لبعض، المهمة صعبة، ويجب أن نجد السلام معاً وأن يستند السلام إلى طمأنة الشعب السوري بأكمله”.

وشدد على أنه لا قابلية لأي حل “سوى الحل السياسي الذي يؤدي إلى تطبيق القرار 2254 الذي ينص على عملية سياسية تقيم في فترة 6 أشهر حكماً يشمل الجميع، مع جدول زمني لقيام دستور وإجراء انتخابات في غضون 18 شهراً برعاية أممية تشمل جميع السوريين ومنهم الذين يعيشون في المهجر”.

الخلاصة

تعتبر اللجنة الدستورية نتاج اجتماعات دولية طويلة حول سوريا، بدأت قبل ثلاثة أعوام، ويبدو أن الدول الفاعلة في سوريا تتجه للحفاظ على هذا المسار الشكلي لكسر حالة الجمود السياسي في سوريا ولعدم رغبتها في مضيعة الوقت في البحث عن حلول جديدة للملف السوري، وذلك على الرغم من عدم تحقيق اللجنة أي نتائج تذكر.

وتسعى روسيا بشكل خاص للحفاظ على هذه اللجنة، لرغبتها بتكليل الانتصارات العسكرية التي حققتها خلال حملاتها المستمرة منذ 5 سنوات بحل سياسي يتوافق مع أهدافها في سوريا، وتضمن من خلاله مصالحها واستمرار نفوذها في المنطقة، مستغلة في ذلك غياب الدور الأمريكي الفاعل وانصباب اهتمام الولايات المتحدة بمحاربة داعش وكبح حمام إيران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقا