وكالة زيتون – خاص – أحمد الحمصي
صعدت ميليشيا قسد يوم الخميس12\أيار قصفها على مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي، وتحديداً مدينتي الباب وجرابلس، كما أن القصف طال منطقة قرقاميش التابعة لولاية غازي عنتاب التركية، ما أدى لاستشهاد جندي تركي، وإصابة 3 آخرين، ومدني واحد.
وأكدت وزارة الدفاع التركية، الخميس، مقتل جندي وإصابة عدد من العساكر ومدني بولاية غازي عنتاب، جراء سقوط قذائف صاروخية أطلقها إرهابيو “قسد” من منطقة عين العرب شمالي سوريا.
وأوضحت أن مسلحي التنظيم الإرهابي استهدفوا براجمات الصواريخ وقذائف الهاون مخفراً حدودياً للجيش التركي في منطقة قرقاميش بولاية غازي عنتاب، جنوبي البلاد.
وفي بيان منفصل، أعلنت وزارة الدفاع التركية تحييد 21 عنصراً من قسد شمالي سوريا رداً على هجوم استهدف مخفراً بولاية غازي عنتاب جنوب البلاد.
وقالت إن “أي محاولة ضد استقرار وأمن شعبنا سيتم الرد عليها بالمثل، والمكافحة ستستمر حتى تحييد آخر إرهابي”.
ما أسباب التصعيد؟
صعدت ميليشيا قسد قصفها على المناطق المحررة، بعد أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن مشروع لإعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم خلال العام الحالي.
وقال أردوغان: “نحو 500 ألف سوري عادوا إلى المناطق الآمنة التي وفرتها تركيا منذ إطلاق عملياتها في سوريا عام 2016″، مضيفاً أن المشروع سيوفر في 13 منطقة في الشمال السوري مثل أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض، كل الاحتياجات اللازمة للعيش الكريم من مدارس ومستشفيات.
وشدد أردوغان على أن تركيا “تنتقد الموقف العنصري والتمييزي والأناني والمنافق للغربيين في التعامل مع المظلومين، فنحن لا ننظر إلى جلد أي شخص أو شعره أو لون عينيه أو معتقده أو لغته”، مضيفاً أن بلاده لا تتعامل مع المناطق الجغرافية التي تعمل فيها وفقاً لثرواتها الطبيعية، بل تتحرك فقط وفق ما تقتضيه حاجة المضطهدين والضحايا.
ووفقاً لصحيفة “Sabah” فإن المناطق التي تتمتع بالاستقرار السياسي والعسكري ستكون لها الأولوية لتنفيذ المشروع الذي يتكون من 8 مراحل، وهي: (1- ستبدأ العودة الطوعية من المدن الكبرى المكتظة بالسوريين، مثل أنقرة وإسطنبول وقونية وأضنة وغازي عنتاب، 2- تتم العودة الطوعية في المناطق التي تضمن الاستقرار العسكري والسياسي والأمني، حيث ستسهم المجالس المحلية في 13 منطقة مختلفة في المشروع، خاصة المجالس الموجودة في أعزاز وجرابلس والباب وتل أبيض ورأس العين، 3- بتنسيق من إدارة الكوارث والطوارئ التركية “AFAD”، ستقوم 12 منظمة مجتمع مدني مثل “İHH” والهلال الأحمر التركي، بإنشاء مساحات جديدة لبناء المنازل والمرافق الاجتماعية، 4- إنشاء مناطق تجارية مثل المناطق الصناعية الصغيرة والمتاجر والأسواق، وسيتم توفير فرص عمل جديدة، من أجل ضمان استدامة الحياة اليومية، 5- بناء البنية التحتية والفوقية وخاصة المدارس والمستشفيات والمساجد، 6- تقديم دورات مهنية لتعليم الحرف، وإنشاء ورشات مهنية، بالإضافة إلى تقديم قروض صغيرة، ما يمكّن السوريين من العمل، 7- التركيز على الأنشطة التعليمية، وإعادة التأهيل، والدعم النفسي للسوريين، 8- طلب الدعم من الصناديق الوطنية والدولية، بما في ذلك المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين).
وأكدت صحيفة “صباح” التركية، حسبما رصدت وكالة زيتون الإعلامية أنه تم التوافق على تسمية المشروع بـ(2Y- 1Ç)، ويتضمن في معناه كلمات “استقر، عِشْ، اعمل” (Yerleş ،Yaşa ،Çalış)، مضيفة أن المشروع يشمل بناء ما بين 200 إلى 250 ألف منزل من 3 أنواع مختلفة، قبل نهاية العام الجاري، وبمساحة 40 و60 و80 متراً مربعاً، ليتم تسليمها للعائدين، وفق عدد أفراد كل عائلة.
وسيتم بناء المنازل في مناطق جرابلس وأعزاز والباب ورأس العين وتل أبيض، تزامناً مع بناء مبانٍ اجتماعية وثقافية، مثل المدارس ومراكز التسوق، والقاعات الرياضية، وتابعت: “بالإضافة إلى توظيف السوريين في عمليات بناء المنازل، التي ستخلق فرص عمل كبيرة، فإن الخطة تتضمن بناء مناطق صناعية منظمة حول المدن المنشأة حديثاً”.
وبخصوص أسباب التصعيد، قال أستاذ العلوم السياسية، حكمت فرزات، إن تصعيد قسد ضد مناطق النفوذ التركي في الشمال السوري، يدل على رفض روسيا لفكرة مشروع إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، دون تنسيق مباشر معها.
وأضاف فرزات في تصريح لوكالة زيتون الإعلامية، أن قسد لا يمكن أن تصعد ضد الجيش التركي من تلقاء نفسها، وحتماً هي مدفوعة من روسيا، لعرقلة مشروع إعادة اللاجئين، لأنه لا يخدم موسكو في هذا الوقت.
توقيت القصف وعلاقة روسيا
قال الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي: “اعتاد جميع السوريين على جولات من التصعيد قبل عقد كل جولة من مسار أستانا، لأن المحتل الروسي دائماً ما يرسل رسائل سياسية مخضبة بدماء السوريين”.
وأردف معراوي في تصريح لوكالة زيتون الإعلامية أن الجولة 18 من اجتماعات أستانا تكتسب أهمية كبرى الآن، نظراً للضعف الذي يعتري الموقف الروسي دولياً وبالمسألة السورية خصوصاً.
وتابع: “كان واضحاً أن تغيراً طرأ على العلاقات الروسية التركية عموماً، وإن كان ليس سريعاً، تجلى ذلك بوقوف تركيا وباعتبارها دولة أساسية من دول الناتو إلى جانب الحلف في صراعه مع الروس في أوكرانيا، واتخاذ أنقرة لإجراء حاسم بعلاقتها مع روسيا بالملف السوري منذ فترة قريبة، يتمثل بإغلاق المجال الجوي التركي أمام الطيران المدني الروسي الذي ينقل عسكريين، والطيران الحربي الروسي بشكل كامل، وهو يشي بتوتر في العلاقات”.
وأضاف: “بعد دخول مشكلة اللجوء السوري بتركيا كموضوع رئيسي في الصراع الانتخابي المبكر وتصعيد اللهجة من بعض أحزاب المعارضة، أقدمت الحكومة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان نفسه على إطلاق تصريحات أو وعود بخطة لإقامة تجمعات سكنية في 13 موقع ضمن الشمال السوري لاستيعاب مليون لاجئ سوري طوعاً من المقيمين الآن في تركيا بعد تأمين كل الظروف لعودتهم وأهمها البيئة الآمنة أو المنطقة الآمنة والتي هي حجر الأساس لنجاح المشروع.
وبحسب الباحث معراوي، لكي يثبت الروس للقيادة التركية أنهم المعنيون بهذا الملف، لجأ الروس إلى التصعيد الأخير بواسطتهم وبواسطة قوات النظام وميليشيا قسد المدعومة من روسيا، والموجودة في القرى المحتلة بمحيط تل رفعت وفي منبج.
وشدد على أن التصعيد وصل لإطلاق قذائف على الأراضي التركية، والغاية من ذلك الضغط على الجانب التركي قبل انعقاد جولة أستانا المقبلة، وعقد صفقة بوقف التصعيد أو حتى الوصول لوقف إطلاق نار شامل تصبح بموجبه المنطقة الآمنة أمراً واقعاً، مقابل طلبات روسية من تركيا بملف الحرب في أوكرانيا ومن أهمها عدم الانخراط التركي بملف العقوبات الغربية على موسكو.
تحديات أمام عودة اللاجئين
تحدث الباحث عن عدة تحديات لا تساعد تركيا على إعادة مليون لاجئ إلى الشمال السوري، وخصوصاً أن المناطق المحررة لا زالت تتعرض للقصف من روسيا والنظام وميليشيا قسد فضلاً عن العبوات الناسفة والمفخخات.
واعتبر أن التصريحات التركية “لم تحدد مواصفات المنطقة الآمنة التي ستعيد اللاجئين إليها أو مساحتها، وهل ستكون بمظلة أممية أم بجهد مشترك مع الدول المتدخلة بالشأن السوري، وتحديداً مع روسيا”.
ووفق الباحث، إن الظروف التي منعت إنشاء مناطق آمنة سابقاً، لا زالت موجودة، أي غياب التوافق الأمريكي الروسي، وربما استحالته حالياً بعد التوتر بينهما على خلفية الحرب في أوكرانيا.
التصعيد التركي ضد قسد
وكان الجيش التركي قد صعد من قصفه على مواقع ميليشيا قسد وحزب العمال الكردستاني في شمال شرقي سوريا، بواسطة الطائرات المسيرة، وركز بشكل أساسي على اغتيال القادة الكبار في الميليشيا، واستهداف غرف العمليات العسكرية، ومراكز الاستخبارات التابعة لميليشيا قسد.
وأثار التصعيد التركي أسئلة لدى متابعي الشأن السوري عن الهدف من العمليات الجوية، وفيما إذا كانت تمهيداً لاستئناف عملية “نبع السلام”، أو أنه تكتيك عسكري جديد اتبعه الجيش التركي ضد قسد، للتخلص من قادتها العسكريين وتدمير مقراتها الرئيسية.
وأكد مركز جسور للدراسات، وفقاً لما رصدت وكالة زيتون الإعلامية أن مناطق شمال شرقي سوريا تشهد منذ بداية نيسان 2022، تصعيداً عسكرياً جديداً من قِبل تركيا ضدّ أهداف تابعة لحزب العمال الكردستاني و”قسد”، وذلك بعد مرور أكثر من شهرين على تنفيذ القوات التركيّة عملية “نسر الشتاء” التي استهدفت جوّاً عبر الطائرات المسيّرة والمقاتلة أكثر من 80 هدفاً في مناطق انتشار حزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق.
ويهدف تصعيد تركيا غير المسبوق والمستمر في شرق الفرات إلى اختبار ردّ فعل روسيا والولايات المتحدة، وسَبْر إمكانية تغيير قواعد الاشتباك في شمالي سوريا، أي محاولة استخدام القوّة العسكرية لإعادة تحديد آلية العمل المشترك بحيث يكون لتركيا الدور الأكبر في أدوات المراقبة والتنفيذ.