وكالة زيتون – خاص
في كانون الثاني/ يناير 2014 أعلن تنظيم داعش فرض سيطرته على كامل مدينة منبج بريف حلب الشرقي، بعد معارك مع مقاتلي الجيش السوري الحر، أسفرت عن استشهاد وجرح عدد كبير منهم، وتهجير آلاف آخرين.
وفي 12 آب/ أغسطس 2016 أعلنت ميليشيات قسد فرض سيطرتها على المدينة بدعم من قوات التحالف الدولي، بعد معارك مع داعش استمرت 73 يوماً، أجبر عناصر التنظيم بعدها عدد كبير من الأهالي على الانسحاب منه لاتخاذهم دروعاً بشرية.
وشهدت المدينة جميع التقلبات وتغير قوى السيطرة، منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، حيث تمكن مقاتلو الجيش الحر من طرد نظام الأسد منها في 17 تموز/ يوليو 2012، واستمر علم الثورة يرفرف في سماءها حتى سيطرة داعش عليها.
مدينة منبج
تقع مدينة منبج شمال شرق مدينة حلب بنحو 90 كيلومتراً، وتبعد عن الحدود التركية نحو 35 كيلومتراً، ويفصلها عن نهر الفرات 40 كيلومتراً من جهة الغرب، كما أنها تعتبر صلة الوصل بين المناطق الواقعة غرب وشرق نهر الفرات.
تبلغ مساحة المدينة حوالي 100 كيلو متر مربع، ويقدر عدد سكانها (ووفق إحصاء 2017) بأكثر من 700 ألف نسمة، معظمهم من العرب بنسبة تتجاوز 90%، إضافة إلى مكونات أخرى، مثل الكرد والتركمان والشركس.
ويقول الناشط محمد العلي المنحدر من مدينة منبج إن قسم كبير من الأهالي اضطروا لمغادرة المنطقة بعد سيطرة تنظيم داعش عليها عام 2014، ومن ثم ميليشيات قسد عام 2016، مشيراً إلى أن الكثافة السكانية في المدينة كانت تقدر بـ78.73 نسمة في الكيلو متر مربع.
وأشار العلي في تصريح خاص لوكالة زيتون الإعلامية إلى أن قسم كبير من أهالي منبج المهجرين يقيمون في مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي وإدلب، وآخرين في تركيا والدول الأوروبية ولبنان والأردن.
وأشار العلي إلى أن ممارسات تنظيم داعش في بادئ الأمر وقتاله للجيش الحر دفع قسم كبير من أهالي المدينة إلى تركها بحثاً عن الأمان وخوفاً من انتهاكات التنظيم، موضحاً أن عملية التهجير هذه اكتملت مع إعلان السيطرة على كامل المدينة مطلع عام 2014.
وبعد هجوم ميليشيات قسد مدعومة بطائرات التحالف الدولي على المدينة، استشهد عشرات المدنيين جراء الضربات العشوائية، ويضيف العلي أن ذلك دفع جزءاً كبيراً من أهالي المدينة إلى النزوح هرباً من القصف والمجازر.
ولفت العلي إلى أنه كان شاهداً على استشهاد عشرين مدنياً بغارة أمريكية قرب بلدة الغندورة شمال منبج، ونحو خمسين آخرين استشهدوا جراء هجمات قسد وطائرات التحالف.
الأهمية الاستراتيجية
تعتبر مدينة منبج ثاني أكبر مدن محافظة حلب، وتكتسب أهمية إستراتيجية كبيرة كونها تربط مدينة حلب بمناطق الجزيرة السورية الرقة والحسكة ومنها إلى القامشلي والحدود العراقية، فضلاً عن قربها من الحدود التركية.
ويقول المحلل العسكري العقيد مصطفى فرزات إن من يسيطر على مدينة منبج يتحكم بعقدة المواصلات الأهم في الشمال السوري، كونها تربط بين مناطق النفوذ الثلاث (الجيش الوطني السوري في ريف حلب الشرقي، وميليشيات قسد شرق الفرات، ونظام الأسد في ريف حلب).
وأوضح فرزات في تصريح خاص لوكالة زيتون الإعلامية أن تركيا معنية بالدرجة الأولى في السيطرة على هذه المدينة، لأسباب عدة أولها طرد ميليشيات قسد من منطقة إستراتيجية وضرب خط اقتصادي هام لها، حيث حولت المدينة إلى أشبه بغرفة لإدارة عمليات التهريب بين مناطق النفوذ.
كذلك أشار إلى أن سيطرة الجيشان التركي والوطني السوري على مدينة منبج تعني بالضرورة تضييق الخناق على ميليشيات قسد في عين العرب، من خلال فرض قواعد اشتباك جديدة، وتقليص مساحة سيطرتها في المنطقة.
من جانبه، يؤكد العلي أن سيطرة الجيشان التركي والوطني السوري على مدينة منبج من شأنها المساهمة في إعادة عشرات آلاف السوريين من أهالي المنطقة إلى منازلهم، إضافة إلى امكانية عودة آخرين إليها كونها مدينة اقتصادية منذ القدم، وتتميز بمساحتها الواسعة القادرة على استيعاب أعداد كبيرة من السكان.
وبحسب ما ذكر العلي فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن نحو 50 ألف نازح ومهجر من أبناء المدينة سيعودون إليها في حال تمت السيطرة عليها من قبل الجيشان التركي والوطني السوري.
منبج وقسد
منذ سيطرة ميليشيات قسد على المدينة بدأت بالتضييق على الأهالي وارتكاب انتهاكات جسيمة بحقهم، إضافة إلى إدخالها لقوات نظام الأسد إلى المدينة في عام 2018، الأمر الذي دفع أعداداً كبيرة إلى الرحيل نحو ريف حلب وتركيا.
ويعتبر التجنيد الإجباري أحد أبرز الانتهاكات التي أجبرت شبان المدينة على تركها، بحسب ما يقول الشاب علي خليف المقيم في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي في حديثه لوكالة زيتون الإعلامية.
وأشار خليف إلى أن العام الماضي خرجت مظاهرات شعبية في المدينة ترفض تواجد قسد فيها وتندد بالتجنيد الإجباري وتدهور الأوضاع المعيشية في المنطقة، مضيفاً أن الميليشيات واجهتها بالرصاص الحي ما أدى إلى استشهاد عدد من المدنيين.
وفي حزيران/ يونيو العام الماضي، شهدت مدينة توترات كبيرة بين الأهالي وميليشيات قسد، حيث خرجت مظاهرات شعبية احتجاجاً على فرض التجنيد الإجباري، وتدهور الأوضاع المعيشية.
وقام المتظاهرون بقطع الطريق الدولي حلب- الرقة M4 بالإطارات المشتعلة، كما قاموا بإغلاق المدخل المؤدي إلى بلدة عون الدادات والتي تضم معبراً مع مناطق سيطرة نظام الأسد.
وفي محاولة لتهدئة التوترات توجهت دوريات من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة بهدف، في حين فرضت ميليشيات “قسد” حظر تجوال عام وهددت المتظاهرين بتسليم المدينة إلى نظام الأسد.
وحينها، أكد الصحفي حسن النيفي، وجود معلومات تفيد بأن قسد تفاوض نظام الأسد لإدخاله إلى مدينة منبج بغطاء روسي، وذلك انتقاماً من الانتفاضة الشعبية..
ووصف النيفي في تصريح خاص لوكالة زيتون الإعلامية السيناريو الذي تخطط له قسد بـ”الكارثي”، وكـ”المتسجير من الرمضاء بالنار”، مشدداً على ضرورة تدخل الحكومة التركية ومنع نظام الأسد من الدخول إلى منبج.
آمال العودة
تحدثت وكالة زيتون الإعلامية إلى عدد من أبناء مدينة منبج المهجرين إلى جرابلس بريف حلب الشرقي، وجميعهم أجمعوا على أن طرد ميليشيات قسد من مدينتهم سيساهم في عودة عدد لا بأس به من النازحين واللاجئين السوريين.
وأكد المهجرون على دعمهم للعملية العسكرية المرتقبة ضد ميليشيات قسد في الشمال السوري، وأعربوا عن أملهم في أن تكون مدينة منبج ضمن خطط الجيشان التركي والوطني السوري.
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أكد في كلمة قبل أيام أن الجيش التركي سيحرر مدينة منبج بريف حلب الشرقي ومدينة تل رفعت بريف حلب الشمالي، ضمن العملية العسكرية المرتقبة.