وكالة زيتون – مقال رأي
ثار السوريون في آذار الكرامة عام 2011 على نظام الأسد، حاملين الورد وأغصان الزيتون، منادين بالكرامة والحق ونصرة المظلومين، فواجههم النظام بوحشيته وجنّد جيشه وشبيحته لقمعهم، بل واستقدم الميليشيات الطائفية من لبنان والعراق وإيران ليساهموا جميعا في قتل السوريين محاولين وأد حلمهم، ذلك الحلم الذي طال انتظاره، وقُدّم في سبيله سنيناً من تحمل الظلم والقهر والتنكيل، من العيش في مملكة الصمت، مملكة الأسد!
كان فشل النظام الفاشي في إخماد ثورة الحق والحرية فشلاً هزّ أركانه مما جعله يستنفذ حتى أدنى مقومات الحياة في سبيل إخماد النيران التي أشعلها وقتل العزم والإرادة في نفوس كل السوريين الذين رأوا الثورة طريقاً لبناء دولة حقيقية لا أحد فيها فوق القانون تسودها الحرية والعدالة التي انتفضوا لحمايتها وللحفاظ عليها بكل ما استطاعوا من مال وجهد ودم وسلاح.
لقد كان حلم السوريين حيا في أفعالهم، وأثبتت انتفاضتهم منذ بداياتها ذلك من خلال المجالس المحلية التي أسست لتكون نواة حقيقية لطالما حلموا بها ليديروا شؤونهم ويحققوا نواة أساسية في بناء دولتهم المنشودة، دولة القانون والعدل والديمقراطية، ورغم ضعف قدراتهم وإمكانياتهم إلا أن تلك النماذج حققت بديلاً مقعناً لهم عن حكم قاتل نهب بيوتهم وممتلكاتهم تاركاً -ومن يدعمه- شعباً كاملاً يعاني ويلات الألم والفقد.
ثم ماذا بعد، هل يُترك السوريون ليعيشوا الحلم؟
الموقف الدولي للعديد من الدول الكبرى كان واضحاً منذ بداية اندلاع الثورة، حيادياً كان أم مؤيداً لنظام الأسد لكن لروسيا حكاية أخرى، فلم تكتف فقط ببعض المواقف والآراء بل تجاوزتها للتدخل العسكري على الأراضي السورية.
ففي أيلول 2015 تدخلت روسيا، وريثة الاتحاد السوفيتي وثاني أقوى دولة في العالم، القطب الآخر وربيبة الأنظمة الديكتاتورية وجمهوريات الخوف والتنكيل، تدخلت بكل عتادها وأسلحتها المحرمة دولياً، أحرقت البلاد ونكّلت بالعباد، قصفت المشافي والمدارس، الأقبية والملاجئ، بيوت الآمنين ودور العبادة، دمّرت وقتلت وجوّعت، عملت بسياسة الأرض المحروقة، فعليا لقد أحرقت كل شيء.
ارتكبت خلال السنوات السبع من تدخلها 246 مجزرة، راح ضحيتها 4056 شهيداً، وقرابة الثمانية آلاف جريح، وكل ذلك كان لتعزز مصالحها ولتعيد مكانتها الدولية التي تلاشت عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، ولتثبت أكثر أنها سيدة العالم الديكتاتوري والأنظمة القمعية، وفي سبيل ذلك لم تتوانى عن أي فعل، ولم تكتف بالقتل والتدمير بل هجّرت الأهالي من بيوتهم وقراهم، غيرت المناطق ديموغرافيا وعززت وجود المحتلين إيران وميليشيات لبنان والعراق الطائفية، تحكّمت بإدخال المساعدات إلى المناطق المحررة، وابتزّت العالم أجمع في طعام ملايين الهاربين من أسلحتها ومن بطش نظام الأسد القابع في دمشق.
إضافة لذلك، فقد حققت مصالح اقتصادية وتجارية من خلال توريد السلاح الروسي لسورية، والاستيلاء على ميناء طرطوس وإنشاء قواعد عسكرية لها على الساحل السوري لتؤمن دخولاً سريعاً للبحر المتوسط تضمن به استمرار وجودها العسكري وحماية النظام المجرم.
لقد أسقطت روسيا ورقة التوت عن العالم أجمع، ما فتئت تستخدم الفيتو مرات ومرات حتى استخدمته 17 مرة منذ بدء الثورة السورية في مجلس الأمن لتضمن استمرار قتل الشعب السوري، ومنعت العالم حتى من أن يُصدر قرارات جوفاء قد لا تُغني ولا تُسمن من جوع!.
أصبح العالم بهيئاته ومؤسساته عاملاً لديها، فالأمم المتحدة تُساهم في تهجير السوريين وترافقهم في باصاتهم الخضراء،ذات الذكريات السيئة عند السوريين، جرّدت مجلس الأمن من صلاحياته وأفقدته قيمته أو ما تبقى منها، جعلت كل ذلك محط استهزاء عند السوريين وعند بقية الشعوب المقهورة.
لقد قتلت روسيا وحرقت ونكّلت وجوّعت وهجّرت، ثم صنعت معارضة على عينها، لتسرق منا دماء الشهداء وأنّات المعتقلين، لتسلبنا صوتنا وحقنا وتمثيلنا. سمّت لنا خائنين باسم المعارضين، دستهم بيننا في مؤسسات دفعنا ثمنها دماء وأنّات وآهات، فتحت مسارات موتنا تحت اسم الواقعية السياسية، وحرفت المسار كأن مشكلتنا في الدستور وليست في من أكله.
ولم تقف روسيا عند ذلك كله، ولم يشبع عطشها للدماء جميع ما فعلته في سورية، بل تمادت أكثر وأكثر، ففي شباط 2020، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن روسيا تدخلت في الانتخابات الديمقراطية التمهيدية في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أيلول من العام نفسه أعلنت الحكومة الألمانية أن المعارض الروسي أليكسي نافالني قد تسمم بمادة مؤثرة على الأعصاب معتقدين أن محاولة اغتياله مدبرة من الاستخبارات الروسية.
ثم وجدت أن ذلك لايُرضي غرورها ولا يكفيه، فأفاق العالم في 24 شباط 2022 على هجوم وحشي غادر على أوكرانيا تُعيد فيه سيرة إجرامها الأولى وما فعلته في سورية، تُكرر ذلك حرفا بحرف ومثالاً بمثال، تقتل وتدمر البلاد والعباد، تهدد أوروبا ودول العالم أجمع.
كل ذلك كان نتيجة لصمت العالم عن روسيا وجرائمها وانتهاكاتها، وتركها في سورية دون حساب أو عقاب.
اليوم في 30 أيلول 2022 وبعد 7 سنوات من ترك لجام روسيا وإطلاق يدها في سورية، يدفع العالم كله فاتورة ذلك، وقد كان أهون عليه أن يوقفها عند حدها وأن يُعرّفها حقيقتها حينما تدخلت في سورية، بيد الثوار أنفسهم.
لكن التاريخ مؤلم ولا يمكننا العودة به إلى الوراء، لا يمكننا إعادة الشهداء ولا نسيان الآلام والتضحيات ، فنحن ماضون ومستمرون في ثورتنا لكن العالم مازال قادراً، إن أراد، أن يُوقف هذه الدولة المارقة عند حدها، وأن يُعيد شيئاً من الأمل والإيمان لشعوب العالم بالعدالة وأنه مازال في هذا العالم نظام حُر يحترم حقوق الإنسان ويدافع عنه.