وكالة زيتون – خاص
شهدت منطقة الشمال السوري عمليات انتحار جديدة اليوم الأربعاء، حيث أكد مراسل وكالة زيتون الإعلامية، انتحار رجل كبير في السن عبر تناوله حبة غاز في مدينة عفرين، وانتحار الشاب “نور الدين حسن” عبر تناوله حبة غاز أيضاً.
وأشار فريق منسقو استجابة سوريا إلى ارتفاع عدد حالات الانتحار في شمال غربي سوريا إلى 71 حالة بينها 24 حالة باءت بالفشل وذلك بعد تسجيل ثلاث حالات انتحار جديدة لعدد من المدنيين في شمال غربي سوريا بينهم طفل.
وأوضح الفريق في بيان، أن فئة النساء والأطفال تعد الفئة الأكبر في أعداد تلك الحالات لعدم وجود من يساعدهم على تخطي الصعوبات التي يعانون منها واليافعين الغير قادرين على التعامل مع المصاعب والضغوط المختلفة التي تواجههم.
وناشد الفريق المنظمات الإنسانية العاملة في المنطقة لمساندة المدنيين والنازحين وتأمين المتطلبات الأساسية لهم وخاصة في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية والتهديدات المستمرة بقطع المساعدات الإنسانية عن المدنيين، والعمل على تأمين فرص العمل بشكل دوري للحد من انتشار البطالة في المنطقة.
ودعا المنظمات الإنسانية إلى تفعيل العيادات النفسية ضمن المراكز الطبية وتفعيل أرقام خاصة للإبلاغ عن حالات محتملة بغية التعامل معها بشكل عاجل، وذلك بغية منع المجتمع المحلي من الانزلاق إلى مشاكل جديدة تضاف إلى قائمة طويلة يعاني منها السكان في المنطقة.
وأوصى بإنشاء مصحات خاصة لعلاج مدمني المخدرات في المنطقة، وخاصةً بعد انتشار ترويج المخدرات والتعاون مع الجهات المسيطرة بالإبلاغ عن مروجي المخدرات وخاصةً أن متعاطي المخدرات يدخلون بحالة غياب للوعي الكامل وعدم القدرة على اتخاذ القرار أو منع أنفسهم من الانتحار.
أسباب ودوافع
المختص في المجال النفسي، عبد المنعم خطيب، كشف في حديث سابق خاص لوكالة زيتون الإعلامية، عن الظاهرة والدوافع المحتملة وراء انتشارها في مناطق شمال غربي سوريا، كما أوضح بعضاً من الحلول المقترحة.
وفي معرض حديثه عن الانتحار، عرف “خطيب” الانتحار: هو أن يقتل الإنسان نفسه بكلتا يديه، أي هو حالة من العنف النفسي الداخلي الموجه إلى الذات، يمارسها الشخص تجاه ذاته.
ومن أحد أبرز الأسباب النفسية التي قد تدفع الشخص للانتحار، هو مرض نفسي شهير، مرض الاكتئاب أو مرض تبلد المشاعر، بحسب المختص، ويضيف أن هذا المرض له أساس فيزيولوجي، وله علاقة بالنواقل العصبية في الدماغ، ومن الممكن علاجه وليس شفائه كما يمكن في حالات نادرة أن يشفى.
عند إصابة الشخص في هذا المرض، حينها يفقد المبادرة تجاه أي شيء، ويحاول الهروب من الحياة حتى ينعزل وينطوي على نفسه، بالتالي يفضل أن يعتنى بالمصاب به، وتتم معالجته قبل وصوله لمرحلة الانتحار.
من جانبه أكد فريق “منسقو استجابة سوريا” أن أسباب ارتفاع حالات الانتحار شمال غربي سوريا، تعود لحالة النزوح المستمر واستمرار الضائقة المادية وحالة القلق الدائم المتواصلة من انقطاع مصادر الدخل أو النزوح من جديد نتيجة التهديدات المستمرة من قبل قوات النظام السوري وروسيا، إضافة إلى عدم قدرتهم على العودة إلى مناطقهم وممتلكاتهم بسبب سيطرة النظام وروسيا على مدنهم وقراهم.
“خطيب” أكد أن هذه الظاهر لم تكن موجودة لدى السوريين أو في المجتمع السوري، إذ كانت سوريا في ذيل قائمة الدول في معدلات الانتحار في مرحلة التسعينات حتى عام 2000 وما بعده، مشيراً إلى أنه كان يتم تسجيل معدل 2000 حالة انتحار في الوطن العربي يومياً، وكانت تحتل الصدارة دول مصر وتونس وغيرها، أما سوريا كانت في ذيل الدول، كما أن نسبته متدنية جداً.
وفي معرض بحثنا عن هذه الظاهرة وارتفاع حالاتها في شمال غربي سوريا، يقول “خطيب” إنه لا بد من معرفة التغيرات التي طرأت على المجتمع السوري، وبالتالي أدت إلى ارتفاع حالات الانتحار، وارتفاع نسبة المنتحرين والمنتحرات، ومن خلالها يمكن أن نحصر الأسباب والدوافع التي تؤدي بالأشخاص للانتحار.
وتابع: إنه من خلال قراءة عملية للواقع والظروف التي طرأت على المجتمع السوري، حتى ارتفعت حالات الانتحار ومعدلاته خلال السنوات القليلة الماضية، كان للحرب والتهجير والمعاناة النفسية والجسدية الجوع والفاقة وانعدام الطموح وعدم تحقيق الذات والعجز وانتشار المخيمات والحاجة وغيرها، كل هذه التغيرات يمكن أن ندرجها تحت بند الألم النفسي الدائم والمستمر، والتي أوصلت الإنسان لمرحلة من اليأس والاكتئاب وخاصة في شمال غربي سوريا.
وبالتالي هذه الآلام النفسية الدائمة المتواصلة والمستمرة الشديدة جداً، قد تكون أحد أهم أسباب الانتحار في الشمال السوري، أي إن “الشخص في هذه الحالة وصل لمرحلة ميؤوس منها في نظره، ولم يبقى له أية حلول أو طموح، ووصل لمرحلة إنهاك قواه النفسية والحالة من اليأس المطلق، وهنا يقوم الشخص بالانتحار”.
وأشار “خطيب” إلى أن الإحصائيات العالمية كانت تصدر عادةً وتشير إلى أن نسب الانتحار بين الذكور تفوق بضعف النسب لدى الإناث، أما الوضع في شمالي غربي سوريا بحسب الإحصائيات فإنه كان مختلفاً، إذ تعاني المرأة _إضافةً للأسباب آنفة الذكر_ كثيراً، وتتحمل ضغوطات مجتمعية وطاقات إضافية، إذ أن الضغط النفسي والوضع الجنسي التعيس جداً وزيادة نسب النساء على الرجال بشكل كبير، وضآلة فرص الزواج وانتشار الأرامل، ونظرة المجتمع القاسية جداً المحكومة بعادات وتقاليد، قد تكون أحد أسباب زيادة أعداد حالات الانتحار لدى المرأة في شمال غربي سوريا.
وأكد في معرض حديثه عن الأسباب، أن انتشار المخدرات وتعاطيها_ الدخيلة على المجتمع السوري_ يعدّ من أحد أهم الأسباب التي تدفع الأشخاص للانتحار أيضاً: “ويلجأ الشخص عادة لتعاطي المخدرات نتيجة الألم النفسي، أو للهروب من الواقع والتخفيف من الألم النفسية، إذ عند التعاطي المخدرات تتعطل الآليات النفسية السليمة للإنسان ويفقد وعيه، وبالتالي تجعل الانسان يستسلم لفكرة الانتحار وتسيطر عنده فكرة اليأس ويستسلم لفكرة إنهاء ذاته وحياته”.
حلول مقترحة
وحول الحلول والمقترحات التي قد تحدّ من انتشار ظاهرة الانتحار في شمال غربي سوريا، يقول “خطيب” إن العلاج كما هو معروف أن لكل حالة لها وضعها الخاص. إلا أنه ينصح بوضع عيادات نفسية ومعالجين نفسيين بجانب كل مركز طبي أو مستشفى.
وأضاف أنه فيما يخصّ الشباب والمراهقين بشكل عام، فإنه ممكن الاستماع لهم، ونقل أفكارهم ومساعدتهم على تجاوز أزماتهم بمساعدة مختصين، مشيراً إلى أهمية إبعاد السلاح والأدوات الخطيرة عن متناول اليافعين والقُصر.