وكالة زيتون – تقرير خاص
استهدف الطيران الروسي صباح يوم أمس الأحد، مخيمات للمهجرين قسراً قرب قريتيّ كفر جالس ومورين ومنطقة وادي حج خالد غربي مدينة إدلب، بصواريخ أرض ـ أرض نوع (220mm 9M27-K Uragan) محملة بقنابل عنقودية محرمة دولياً من نوع (9N210 and 9N235) ما أدى لمقتل 9 مدنيين بينهم 3 أطفال وامرأة، وإصابة نحو 70 آخرين.
وأفاد الدفاع المدني السوري بأن الهجوم الإرهابي الذي شنته قوات النظام وروسيا على المخيمات، كان هجوماً مبيتاً ومخططاً له بشكل مدروس، ويؤكد ذلك ما نشرته وكالة سبوتنيك الرسمية التابعة للحكومة الروسية، مساء السبت، على لسان ما يسمى نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سوريا أوليغ إيغوروف باتهام الخوذ البيضاء بالتجهيز لشن هجمات تستهدف مخيمات كفر جالس ومخيمات أخرى في ريف إدلب.
وأضاف: “لقد دأبت روسيا على مدى سنوات انتهاج سياسة التضليل الإعلامي والتلفيق في حربها على السوريين والتي باتت مكشوفة بشكل صارخ، ولطالما كانت تقوم بحملات تضليل ممنهجة قبل أي هجوم لقواتها على السوريين، والإدعاء بأنها مشاهد مفبركة أو تتهم أطراف أخرى بالتجهيز لهجمات، لإبعاد الأنظار عن جرائمها والتشويش على الرأي العام”.
وتابع: “إذ تنظر الخوذ البيضاء إلى هذه الجريمة المضاعفة بشن هجمات ممنهجة على مخيمات محيدة بموجب القانون الدولي الإنساني باستخدام ذخائر عنقودية محرمة دولياً، ومحاولات التضليل التي سبقتها، بأنها امتداد للإرهاب اليومي الذي يمارسه نظام الأسد وروسيا بحق السوريين، فإنها تعتبر في الوقت نفسه أن غياب الموقف الدولي الحازم تجاه هذه الهجمات جعلها تستمر وتمتد إلى مناطق أخرى في العالم، ونحن نرى اليوم ثمن الصمت الدولي الذي يدفعه الأبرياء في سوريا وأوكرانيا”.
وطالب الدفاع المدني المجتمع الدولي بإيجاد صيغة تضمن توقف روسيا ونظام الأسد عن الاستهداف الممنهج للسكان، في ظل عدم التزامهم بأي إطار يدعم عملية الحل السياسي.
وشدد على أن ما يعني السوريين الآن بالدرجة الأولى هو توقف الهجمات الإرهابية التي تستهدف أطفالهم وتلاحقهم في ملاذهم الأخير، ومن الصعب أن يكون هناك مطالب أخرى من آلة عسكرية لا تعرف إلا القتل، ومن مجتمع دولي تحكمه التوازنات السياسية والمصالح الإقليمية بعيداً عن مسارات حقوق الإنسان بأدنى درجاتها.
وتحدث فريق منسقو استجابة سوريا عن حركة نزوح لمئات المدنيين من المخيمات المستهدفة والمخيمات المجاورة لها إلى مناطق أخرى شبه آمنة خوفاً من عودة الاستهداف.
وأضاف أن عدد العائلات النازحة المتضررة من حالة القصف الأخيرة بلغ أكثر من 3488 عائلة، مشيراً إلى أن تكرار عملية قصف المخيمات ومنها مخيمات مدعومة أو مشيدة من قبل الأمم المتحدة من قبل كافة الأطراف وأبرزها النظام أصبحت مثيرة للقلق بشكل كبير، وتثبت عدم التزام الجهات العسكرية كافة بمنع استهداف المدنيين وخاصة المخيمات.
ودعا الفريق إلى فتح تحقيق دولي واسع وكامل يمتاز بالحيادية والشفافية المطلقة حول الجرائم الأخيرة التي ارتكبت من قبل قوات النظام وكافة الأطراف وفق المسببات التالية:
– تنفيذ عمليات القتل خارج القضاء للمدنيين المقيمين خارج سيطرة النظام.
– العمل على سياسة التغيير الديمغرافي للسكان المدنيين في المنطقة من خلال إجبار آلاف المدنيين على النزوح المتكرر.
– تدمير المنشآت والبنى التحتية مع العلم أن العديد منها مدرج ضمن الآلية المحايدة المقررة من قبل الأمم المتحدة الخاصة بمنع استهداف المنشآت والبنى التحتية الحيوية.
بدوره طالب الائتلاف الوطني السوري بانعقاد عاجل لمجلس الأمن واتخاذ إجراءات عقابية ضد مرتكبي هذه المجازر المستمرة بحق الشعب السوري ومحاسبة هؤلاء المجرمين.
وأكد أن صمت المجتمع الدولي عن المجازر التي ترتكبها المنظومة الإجرامية في سوريا، مهد الطريق لهذه المنظومة بارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات بحق الأبرياء المدنيين في المناطق المحررة من سوريا، بشكل دوري دون رادع حازم يضمن حياة وسلامة السوريين.
ما أسباب القصف وأهدافه؟
قال الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان، إن القصف رسالة واضحة للضغط على تركيا في الملف الإنساني وموضوع اللاجئين، خاصة أن الملف كان في مقدمة المفاوضات بين تركيا ونظام الأسد برعاية روسيا.
وأشار علوان في تصريح لوكالة زيتون الإعلامية إلى أن المفاوضات بين الطرفين صعبة ومتعثرة بسبب وجود مطالب مختلفة، حيث يطالب النظام بأن يكون له وصول إلى إدلب، وفتح المعابر التجارية بالكامل، دون أن يقدم لتركيا ضمانات حقيقية بإيقاف دعمه لـ “قسد” التي تعتبرها تركيا ميليشيات انفصالية.
ويريد نظام الأسد أن يضغط بالملف الحساس الذي تخشاه تركيا، وهو حملات النزوح حيث بدأ النزوح من المخيم الذي تعرض للقصف باتجاه الحدود مع تركيا، ما يشكل ضغطاً إنسانياً، ويمنع عودة اللاجئين من تركيا إلى سوريا.
وذكر الباحث، أن النظام يريد خلق منفذ اقتصادي له وتجاوز العقوبات الأمريكية عبر مناطق سيطرة المعارضة السورية التي تدعمها تركيا، وفتح المعابر التجارية.
وأشار إلى أن تركيا لديها أولويات في موضوع التفاوض مع النظام، أولها انخراط النظام بشكل جاد في ملف مكافحة الإرهاب، وهذا الأمر مستبعد، وأن يكون النظام شريكاً لتركيا في مكافحة تنظيم العمال الكردستاني.
من جهته، ذكر العقيد مصطفى البكور، أن قصف المخيمات “يأتي في إطار العدوان الروسي على الشمال السوري المحرر، لجعله يعيش في حالة عدم استقرار مع بدء فصل الشتاء، للضغط على المدنيين من أجل العودة إلى الحظيرة الأسدية”، مضيفاً أنه “يأتي في سياق الضغط على تركيا على خلفية موقفها من الحرب في أوكرانيا”.
ولفت إلى أن “هذا التصعيد جاء بعد أيام من شروع الأتراك بترتيب الأوضاع في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري في ريف حلب الشمالي، للقضاء على الفوضى الموجودة”.
وكذلك اعتبر المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، أن القصف الذي استهدف المخيمات “ليس مستغرباً من النظام والروس”.
وأردف أنه “لطالما استهدفوا الأسواق والنقاط الطبية والمدارس والأفران. الذاكرة السورية زاخرة بمئات المجازر التي ارتكبها النظام بحق السوريين، تحديداً في شمال غرب البلاد”.
ورأى أنه “لا تفسير للقصف الذي حصل، إلا في كونه أسلوباً إجرامياً من النظام لإركاع الناس، متخذاً من وجود هيئة تحرير الشام في إدلب مدخلاً لذلك”.
وختم: “ما حدث يفتح الباب أمام تساؤلات تتعلق بالدور التركي كون أنقرة ضامناً لاتفاقات تنص على وقف إطلاق النار”، مؤكداً أن “تغيير خريطة السيطرة لصالح قوات النظام في شمال غرب سوريا غير وارد في الوقت الراهن، على الرغم من التصعيد الكبير الذي شهدناه”.