وكالة زيتون – مقال رأي – عبد الملك عبود
منذ عدة أيام انشغل السوريون بمسألة تطبيع العلاقات بين تركيا ونظام الأسد المجرم، وذلك بعد اللقاء الذي جمع وزراء الدفاع وأجهزة الاستخبارات التركية والروسية ونظام الأسد في العاصمة الروسية موسكو، الأمر الذي دفع الشارع الثوري للانتفاض، وذلك بهدف تسجيل موقف مصيري يؤكد أن لا مصالحة مع مجرم استخدم شتى أنواع الأسلحة لقتل وتهجير السوريين، ولمطالبة المجتمع الدولي وتركيا بالالتزام الكامل بتعهداتها التي قطعتها على نفسها في سبيل دعم الثورة السورية.
اللقاءات التي عقدتها مؤسسات المعارضة السورية في العاصمة التركية أنقرة حملت رسائل مهمة وفقاً لتقاطع المعلومات من المصادر السورية – التركية، وأهم هذه الرسائل أن استراتيجية الدولة التركية ومكاسبها في سوريا ليست بالتحالف مع نظام الأسد العاجز عن حماية نفسه، والذي أصبح عبئاً على حلفائه الروس والإيرانيين، إنما مصلحة تركيا في استمرار دعم الشعب السوري الذي يتشارك مع تركيا مخاوفها المتعلقة بالتنظيمات الإرهابية المتمثلة بـ PKK-PYD التي لا يختلف نهجها عن نظام الأسد من حيث اتباع أساليب القتل والتهجير والتصفية العرقية لتحقيق مشروعها الإنفصالي في سوريا والذي يشكل خطراً على وحدة الأراضي السورية وعلى الأمن القومي التركي.
ملف النازحين في مناطق الشمال السوري واللاجئين في تركيا، يعتبر أيضاً قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار في حال حدثت أي عملية مصالحة أو تطبيع مع نظام الأسد غير مبنية على حل سياسي شامل يضمن أمنهم وسلامتهم برعاية الأمم المتحدة وكافة الأطراف الدولية ذات الصلة في الملف السوري.
وبالرغم من عرض روسيا أن تضمن إصدار مراسيم للعفو الشامل عن جميع السوريين لتسهيل عودة النازحين واللاجئين إلى مدنهم، إلا أن الجانب التركي رفض الخوض بهذا الملف قبل المضي بتنشيط العملية السياسية المبنية على القرار الدولي 2254 الذي يعتبر الحل الضامن لحقوق السوريين.
من الواضح أن جولات التفاوض بين تركيا ونظام الأسد لن يكون لها نتائج أبداً إنما هي تلبية لرغبة روسية مضت بها تركيا لإثبات عجز نظام الأسد على الانخراط بأي عملية تنهي مأساة الشعب السوري، فكان مطلب نظام الأسد من تركيا قبل الخوض بأي عملية تفاوضية أن ينسحب الجيش التركي من كامل الأراضي السورية دون أي شرط أو قيد وحتى قبل إنهاء مخاوف تركيا من تمدد التنظيمات الإرهابية الانفصالية، وهذا ما دفع الجانب التركي لإبداء انزعاجه للوفد الروسي المستضيف للقاء.
أما عن رسائل المؤسسات التركية المخصصة لمؤسسات المعارضة السورية، كان هناك تفهم للغضب الشعبي وتأكيدات على أن ما قام به السوريون في الشمال المحرر ليس رسالة فقط لتركيا إنما للمجتمع الدولي كاملاً بأن الحل لن يكون إلا بما يتناسب مع مطالب الشعب السوري وهذا ما تدعمه تركيا بكافة المحافل.
لكن من ناحية أخرى كان هناك لوم على مؤسسات المعارضة التي تعاني من ضعف ثقة السوريين فيها وأكد المسؤولون الأتراك أنه من غير المنطقي أن تكون تركيا على طاولة المفاوضات باسم مؤسسات المعارضة وفي نفس الوقت مؤسسات المعارضة غارقة بالخلافات الداخلية.
تركيا تحتاج حلفاء سوريين أقوياء على كافة الصعد السياسية والخدمية والعسكرية، ولذلك لن تتخلى عنهم وتريدهم أكثر قوة وتنظيم، حيث الرغبة التركية تتجلى بأن يكون الائتلاف الوطني السوري موسعاً بشكل أكبر ويضم كافة أطياف السوريين وفعالياتهم السياسية والمدنية والاجتماعية ليكون جميع السوريين شركاء في اتخاذ القرار، وأيضاً هم داعمين لتفعيل مؤسسات الحكومة المؤقتة عبر خطة حوكمة حقيقية بدأت ملامحها بتفعيل وزارة الدفاع ومؤسسة الجيش الوطني والتي سيتبعها خطوات لاحقة تشمل المجالس المحلية والشرطة المدنية ومؤسسات العدل وكافة المؤسسات التنفيذية.
أيضاً من المهم لتركيا ملف القبائل والعشائر السورية الذين يشكلون ركيزة أساسية في ملف شمال شرق سوريا، ولذلك يحتاجون لأن يكون هذا المكون له قوى وتأثير في المجتمع السوري عبر مجلس القبائل والعشائر السورية الذي سيكون له دور هام في المرحلة القادمة وخصوصاً أن ملف القبائل والعشائر يتم استغلاله من قبل نظام الأسد والميليشيات الإيرانية.
نتائج اجتماعات المعارضة في أنقرة تؤكد على عدة نقاط مهمة ومنها: أن المفاوضات مع نظام الأسد نتائجها صفرية ولن تحقق مصالح تركيا، وأن تركيا ما زالت تدعم قضية الشعب السوري ومؤسسات المعارضة وترغب بأن تكون أقوى وذات نفوذ أوسع، ولذلك يجب على المعارضة إصلاح نفسها وتطوير إمكانياتها وكسب ثقة السوريين.