تركيا - غازي عنتاب

التعليم في سوريا في غياب المنهجية والاستراتيجية لتطويره

مدرسة
وكالة زيتون – مقال رأي
لين مصطفى – باحثة إجتماعية في شؤون المرأة و الطفل

 

عرفت سوريا قبل العام 2011 عربياً بتراجعها في مجال التعليم المدرسي و الجامعي، فبالرغم من صعوبة المناهج الدراسية والامتحانات المرحلية ولكنها لم تستطع أن تجاري النهضة التعليمية وقوة الجامعات للدول المجاورة لها كالأردن ولبنان على سبيل المثال، وقد انحدرت وتيرة التعليم بشكل حاد في سنوات الحرب خصوصاً في ظل تسرب طلاب التعليم الأساسي وقصف الجامعات وعدم قدرة جيل كامل من الطلاب عن متابعة دراستهم بسبب جغرافية الحرب والأوضاع الميدانية، ومع تخفيف وتيرة الحرب ودخول بعض المناطق في هدوء نسبي وعودة الطلاب للمدارس خصوصاً في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، ما زالت المسيرة التعليمية متدنية ومتأخرة ضمن مجموعة من الأسباب الأساسية والجوهرية والتي يجب أن نعمل على تغييرها بشكل جذري حتى نشهد نهضة حقيقة في المسيرة التعليمية في جميع المناطق السورية، إذ أن العملية التعليمية تراجعت في سوريا اكثر من باقي القطاعات الخدمية في السنوات الأخيرة الماضية، منها ما هو مرتبط بطبيعة النظام التعليمي واختيار إدارات وكوادر ذات ولاء للسلطة للحاكمة وغير مؤهلة على حساب أصحاب الكفاءة والخبرة، بالإضافة إلى هجرة ذوي الكفاءة للخارج أثناء الحرب بسبب الأوضاع العسكرية والأمنية وإنعدام الفرص المناسبة لهم، وبالتالي أدى ذلك لعدم وجود كوادر تعليمية قادرة على النهوض بالقطاع التعليمي وتطوريره، كما أن التعليم لا يعتبر في المساعدات الإنسانية المساهمة في استمرار الحياة حسب تقييم وكالات الأمم المتحدة ولذلك تم إهمال قطاع التعليم في مناطق شمال غرب سوريا وإدلب، بالإضافة إلى إغراق العملية التعليمية في الفساد الإداري في كل المناطق، مما جعل معايير النجاح والحصول على الدرجات مرتبطة بإمكانية دفع الرشوة أو المحسوبيات وليس بالقدرات التعليمية والعقلية والمنهجية للطالب وهذا مايؤدي إلى إلتحاق طلاب جدد لإمتحانات الشهادات الإعدادية والثانوية ومستواهم التعليمي متدني للغاية لدرجة أن أبسط العمليات الحسابية لا يجيدونها وغير قادرين على خوض امتحاناتها بمفردهم، وبالنهاية يفشل الطالب ويضعون اللوم على المُدرس أو على المناهج الدراسية.
السبب الثالث والجوهري في تراجع التعليم هو جهل الاهل، وهو ما سميناه ب “الجهل” نظراً لعدم اللامبالاة والاهتمام بتعليم الطفل في المراحل الأولى من التعليم الاساسي وما قبل الاساسي، وهذا الجهل منتشر بين جميع الشرائح الإجتماعية السورية، فمع استمرار صعوبة الأحوال المعيشية يعمد بعض الأهل إلى ارسال أطفالهم للعمل بهدف تحسين ظروف الحياة ومساعدتهم على العيش الكريم خصوصاً في مناطق شمال غرب سوريا، ومن جانب آخر وتحديداً في مناطق نظام الأسد لا نجد الإهتمام الكافي من الأهل ذو الظروف المادية الجيدة أو المقبولة وحتى الفقراء منهم في دعم أطفالهم في مسيرتهم التعليمية ويلجؤون إلى أساليب ملتوية كدفع الرشوة للسعي لنجاح الطفل دون تحقيق هدف النجاح الحقيقي المطلوب منه، أو تسريبهم دراسياً وانتشار عمالة الأطفال بشكل كبير.

مما جعل العملية التعليمية تصبح متدنية أكثر وخسارة جيل الشباب الذي يقع على عاتقه بناء وطن قوي بالعلم والتعلم، فيجب أن نعمل بشكل كبير وحثيث على دعم الوعي المجتمعي لأكبر عدد من الأمهات والأهالي والمجتمع السوري ككل، والتأكيد في مفاهيمنا التوعوية على أن التعليم هو ما يزرعه الأهل في عقول أبنائهم منذ الصغر، لأن العملية التعليمية وحب التعلم وبناء شخصية الطفل تبدأ من المنزل أولاً، وبيئته المحيطة ثانياً، والمدرسة تعزز هذه الصورة وتقويها بمشاركة الأوفياء والمخلصين من المدرسين الحريصين على تطوير المجتمع واستمرار المنظومة التعليمية وإنقاذ أطفالنا من مستقبل مجهول المعالم، وهنا تكمن المسؤولية الحقيقة علينا جميعاً في ظل غياب دولة قوية قادرة على إنقاذ التعليم في سوريا وقد فشلت في وقت سابق عندما كانت مستقرة من تطوير التعليم والعمل على تقدم المنظومة الشاملة لذلك، وختاماً في ظل اليوم الدولي للتعليم وغياب المنهجية الجماعية والاستراتجية لتطويره خصوصاً في مناطق شمال غرب سوريا تقع اليوم على عاتق منظمات المجتمع السورية الأخذ بزمام المبادرة ومحاولة تغيير الواقع وتقديم نموذج تعليمي جيد على الأقل في المناطق التي نستطيع بها أن نغير من هذا الواقع بأنفسنا، واما في مناطق سيطرة نظام الأسد مازلنا نأمل أن يتغير الواقع وتعود المنظومة التعليمة لسابقها على الأقل ووضع استراتيجية ومنهجية حقيقية لتطوير التعليم الاساسي والثانوني وتحول الجامعات السورية إلى جامعات قوية يحلم بها الطالب السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقا